كلمة وزير خارجيّة إمارة أفغانستان الإسلامية في الدورة الحادية والخمسين لاجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد، وعلی آله واصحابه أجمعین امابعد:  
 
صاحب المعالي حسين إبراهيم طه، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي!  
الأخ العزيز هاكان فيدان، وزير خارجية جمهورية تركيا الشقيقة!  
أصحاب المعالي وزراء الخارجية والمندوبين السامين للدول الأعضاء والمراقبة!  
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  
 
أيّها السادة والحضور الكرام!  
لقد اجتمعنا معا في ظروف يشهد العالم وخاصة منطقتنا تغيّرات وتطوّرات كبرى تحتاج إلى اهتمام عاجل ومسؤول.  
كانت كلمات جميع المتحدثين في هذا الاجتماع مثل كلمتي تتركز على مأساة غزة وسائر القضايا الدولية، لكن نظرا إلى الاعتداءات التي شنّها الكيان الصهيوني على إيران خلال الأسبوع الماضي، نجد أنفسنا مضطرين إلى استهلال حديثنا بهذا التطوّر المستجد.  
 
لم تنته كارثة غزة بعد، حتى بدأت أزمة أخرى في منطقتنا وهي هجوم الكيان الصهيوني على إيران!  
تدين إمارة أفغانستان الإسلامية بشدة الغارات الإسرائيلية الأخيرة على جمهورية إيران الإسلامية، واغتيال القادة العسكريين والعلماء النوويين والأبرياء من أبناء هذا البلد، والتي تمثل انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الأساسية، وخاصة السيادة الوطنية ووحدة الأراضي للدول. إن منطقتنا في معاناة قديمة بسبب الحروب المفروضة، ولم تعد تتحمل أزمة وحربا أخرى.  
 
أيها الحضور الكريم!  
ينتقل العالم من حالة الأحادية القطبية نحو نظام عالمي جديد، وإن العولمة تظهر ردود فعلها الخاصة بها، ونتيجة لذلك أصبحت الهويات الإقليمية ذات أهمية خاصة، ورغم التحديات المعروفة التي تواجهها هذه المرحلة، إلا أنه لا يُمكن تجاهل فرصها، ونحن كالعالم الإسلامي أتيحت لنا فرصة في هذه الأوضاع، أن نجتمع على أساس المبادئ الإسلامية.  
 
 
أيها السّادة!  
إن العالم الإسلامي يواجه تحدياتٍ جديدة صعبة تعترض على طريق تقدمها وإعادة بناءها. هذه التحديات تترواح من القضايا السياسية والاقتصادية إلى أزمات الهوية، ونتيجة لذلك يعاني جيلنا الشاب من الإحباط وخيبة الأمل.  
لقد حان الأوان المناسب للأمة الإسلامية أن تتأمل بعمق في أسباب تأخرها، حتى نتمكن من تقديم تعريف الهوية الإسلامية للأجيال القادمة يجعلهم يفتخرون بتاريخهم وحضارتهم الإسلامية، بدلا من التبعية للظواهر المستوردة.  
 
أيها الحضور الكريم!  
ينعقد اجتماعنا اليوم في ظروف تستمر فيها الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، والإبادة الجماعية الوحشية التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني، في جميع أنحاء فلسطين، خاصة في غزة. هذا الوضع هو اختبار تاريخي للنظام العالمي والقيم الإنسانية والآليات القانونية التي فشلت في كثير من الأحيان للأسف.  
 
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاحتلال الغير المشروع لا يشكل تهديدا خطيرا للعالم الإسلامي فحسب، بل هو خطر كبير على أمن العالم بأسره، ولا ينبغي الاستهانة به أبدا.  
 
أدعو الدول الأعضاء في منظّمة التعاون الإسلامي إلى وقف جرائم الكيان الصهيوني ضد فلسطين وإيران… وإلا، فإن هذا الوضع سيكون تهديدا مباشرا لأمن جميع دول المنطقة.  
 
إن الكيان الإسرائيلي المحتل، في معارضة صريحة لجميع القوانين الدولية والمبادئ الإنسانية شنّ حربا لا هوادة فيها من أجل إبادة الشعب الفلسطيني المظلوم وتدمير تاريخه العريق لآلاف السنين. إن استمرار هذا الوضع ليس مجرد كارثة إنسانية كبيرة فحسب، بل هو تهديد خطير للسلام والاستقرار العالميين في القرن الحادي والعشرين، ويعد التحرك العملي الفوري في مواجهة هذا التهديد واجبا إنسانيا لايمكن تأجيله.  
 
السادة والسيدات!  
إن الواقع السياسي والاقتصادي والحضاري للعالم الإسلامي يمنحنا الفرصة للقيام بدور فعال ومؤثر في بناء هيكل النظام العالمي الجديد، ليس كمراقبين، بل كفاعلين مؤثرينٍ على أساس المبادئ الإسلامية. فلا ينبغي أن يكون هذا الاجتماع مجرد منصة لتسجيل التحديات، بل بداية لاتخاذ الإجراءات العملية، والمواقف المشتركة، والحلول المبدعة.  
إذا اعتمدت الدول الإسلامية بناء على إرادة سياسية قوية، أن تجعل الأخوة الإسلامية والتقارب والتعاون، كأساس لتعاملها، فإنها لن تحفظ كرامة شعوبها فحسب، بل ستؤثر أيضًا على صناع القرار في المستوى العالمي.  
 
أيها السادة!  
أفغانستان التي واجهت حروب طويلة واحتلالات وتدخلات أجنبية في العقود الماضية، دخلت الآن بفضل الله وتوفيقه، وتحت ظل النظام الإسلامي، مرحلة الاستقلال والاستقرار وإعادة البناء.  
 
والحمد لله، لقد حققت أفغانستان اليوم تقدما غير مسبوق في مجال الوحدة الوطنية والأمن وتقوية المؤسسات والنمو الاقتصادي وإعادة بناء العلاقات الخارجية، على أساس التعاليم ومبادئ الشريعة الإسلامية.  
أفغانستان اليوم لم تعد ذلك البلد الذي يتم تعريفه فقط من منظور الأزمات والتخلف. نحن واقفون اليوم على أعتاب فصل جديد من تاريخنا؛ فصل يفتح بعد تثبيت الأمن والسيادة والوحدة الوطنية، آفاقا جديدة للتقدم والتعاون والتواصل الإقليمي على أسس المبادئ الإسلامية.  
 
وانطلاقًا من العقيدة الإسلامية، فإننا نريد أن نحدد هذه الفرصة مع الدول الإسلامية من خلال مشاريع اقتصادية وثقافية واستراتيجية مشتركة.  
أيها الحضور الكريم!  
 
تواجه بلادنا عقوبات اقتصادية غير مشروعة من قبل بعض الدول الغربية.  
أود أن أذكر لكم بأنه بعد 20عاما من الحرب على أفغانستان، جمدت الولايات المتحدة الأمريكية الأصول الوطنية للشعب الأفغاني، الأمر الذي شكل تحديا للعملية الطبيعية للنمو الاقتصادي في أفغانستان.  
 
أدعو مرة أخرى منظمة التعاون الإسلامي والدول الأعضاء فيها إلى أن تساعد في الإفراج عن الأصول المجمدة للبنك المركزي الأفغاني دون تأخير، وأتوقع منكم بناء على مسؤوليتكم الإسلامية والإنسانية، استخدام كل نفوذكم لإلغاء القيود الاقتصادية والسياسية المفروضة على إمارة أفغانستان الإسلامية.  
 
أيها الممثلون المحترمين!  
إنّ إمارة أفغانستان الإسلامية،  
كدولة مستقلة وملتزمة بالقيم الدينية، أقامت سياستها الخارجية على أساس الاحترام المتبادل والتعامل المتوازن، وترغب في بدء فصل جديد من التعاون الإيجابي والاحترام المتبادل.  
 
أقترح، نيابة عن إمارة أفغانستان الإسلامية على منظمة التعاون الإسلامي أن تدعم بناء على مسؤوليتها، الدول التي دخلت الآن مرحلة الاستقرار في عملية إعادة البناء والنمو الاقتصادي.  
 
أفغانستان التي تعتبر قلب آسيا، مستعدة لتصبح بوابة مهمة للترانزيت والتجارة والتواصل الاقتصادي بين الدول الإسلامية. نحن مستعدون للقيام بدور بناء في إطار أجندة استراتيجية اقتصادية لمنظمة التعاون الإسلامي، في مجال التواصل الإقليمي والطاقة والخدمات اللوجستية والاستثمار.  
 
في الختام، أذكر مرّة أخرى بضرورة اتخاذ إجراءات فورية وجادة وعملية لإنهاء الأزمة المؤلمة في فلسطين، والاعتداءات الإسرائيلة والأمریکیة على إيران وخاصة وقف الجرائم المستمرة في غزة وإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.  
 
شكرا لكم على حسن الاستماع.  
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته